لم يكن الكثيرون يتوقعون توسع رقعة الإحتجاجات في الجزائر، ضد ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى ولاية خامسة، بالرغم من أنّ المؤشرات على هذا التحول كانت حاضرة منذ أشهر طويلة، تعود إلى وقت ترشحه إلى الولاية الرابعة، لكنها برزت بشكل لافت قبل نحو عامين، عندما حان موعد الإنتخابات البرلمانية، وارتفعت الأصوات المحذّرة، لا سيما من جانب التيار الإسلامي، من عودة البلاد إلى أيام "العشريّة السوداء"، في حال ذهاب السلطة إلى خيار تزوير النتائج لصالح الأحزاب الموالية لها.
في الأيام الماضية، طرح أكثر من سيناريو لتجنب إنزلاق الجزائر إلى المجهول، أبرزها أن تلجأ السلطة إلى خيار العجز الصحي لتبرير خروج بوتفليقة من السلطة، على أن يقود ذلك إلى تأجيل الإنتخابات الرئاسيّة بعض الوقت، لحين الإتفاق على المرشح البديل، لكن مساء أول من أمس حسم الرئيس الجزائري، أو من يقف خلفه، المسألة، بعد أن تقدّم بأوراق ترشيحه رسمياً.
في هذا السياق، بات من المعروف أن بوتفليقة لا يملك زمام المبادرة منذ سنوات، بسبب وضعه الصحي الذي لا يخوّله قيادة البلاد، التي تمر بفترة إنتقاليّة صعبة على مختلف المستويات خصوصاً الإقتصاديّة والإجتماعيّة، في ظلّ الحديث في الأوساط الجزائريّة عن تحالف قوي يحكم البلاد، يضم كبار قيادات المؤسّسة العسكريّة ورجال الأعمال، بالإضافة إلى شقيق بوتفليقة السعيد بوتفليقة، وهذا التحالف قرّر أن يعمد لترشيح الرئيس الحالي لولاية جديدة نتيجة عدم توافقه على خلفه، إلا أن الأمور لم تجر كما كان يشتهي.
في معظم الولايات الجزائرية، هناك حراك شعبي رافض لترشح بوتفليقة، والسبب لا يتوقف عند الحالة الصحية التي يعيشها، بل إلى تنامي مؤشّرات الفساد إلى حدود غير مسبوقة، الأمر الذي لا يمكن الإستمرار به، إلا أنّ حالة الإعتراض هذه لا تتوقف على أحزاب السلطة أو الموالاة، بل تشمل أيضاً القوى التي تنتمي إلى صفوف المعارضة، والتي يأتي على رأسها حزب "حركة مجتمع السلم" الإسلامي، الأمر الذي يدفع إلى السؤال عن مصير الأزمة في بلاد "المليون شهيد"، لا سيما مع خروج مظاهرات ليليّة مباشرة بعد الإعلان عن ترشيح الرئيس الحالي رسمياً.
في البداية، هناك نقطة أساسية ينبغي التوقّف عندها، هي إدراك التحالف الذي يقف وراء الرئيس الجزائري بأنه لم يعد قادراً على الإستمرار في إدارة البلاد على النحو السابق، بدليل تعهّد بوتفليقة، في الرسالة التي قرأها نيابة عنه مدير حملته الانتخابية عبد الغني زعلان، بتنظيم إنتخابات رئاسيّة مبكرة، في حال إعادة إنتخابه، يتم تحديد تاريخها من خلال "مؤتمر وطني، على ألاّ يترشح إلى تلك الإنتخابات، في حين كان قد ذهب قبل ذلك إلى إقالة مدير حملته السابق عبد الملك سلال، بعد تسريب تسجيل صوتي له يهدّد فيه بإستخدام القوّة ضد المحتجّين.
إنطلاقاً من ذلك، يمكن القول أن التغيير في الجزائر آت لا محالة، لكن السؤال المنطقي هو عن الموعد والكلفة قبل أن يكون عن البديل، نظراً إلى أن التحالف الحاكم هو من يملك زمام المبادرة اليوم لتحديد مستقبل الأزمة، ففي حال قرر الإستمرار في ترشح بوتفليقة سيواجه بالمزيد من التظاهرات الشعبية التي ستترافق مع مقاطعة الإنتخابات الرئاسيّة المقررة في 18 نيسان المقبل، في ظل توجه البعض من المرشحين إلى الإنسحاب من هذا الإستحقاق، أما في حال قرّر التراجع فإن السؤال الذي سيطغى سيكون حول الآليّة، نظراً إلى وجود دعوات إلى الجيش لتحمّل المسؤوليّة خلال مرحلة إنتقاليّة.
وفي حين تبدو كل السيناريوهات صعبة، لا يجب أن يغيب عن الأذهان احتمال إنزلاق البلاد إلى المجهول من جديد، خصوصاً أنّ لها تجربة سابقة في هذا المجال، تعود إلى الصراع المسلّح الذي اندلع بين الجيش وفصائل إسلاميّة متشدّدة، على خلفيّة إلغاء نتائج الإنتخابات البرلمانيّة لعام 1991، التي فازت فيها "الجبهة الإسلاميّة للإنقاذ"، والذي يعرف بـ"العشريّة السوداء".
في المحصّلة، الجزائر اليوم على عتبة مرحلة إنتقاليّة صعبة، لا أحد يستطيع التكهّن بالسيناريو الذي ستذهب إليه، لكن الأكيد أن البحث عن خليفة بوتفليقة بدأ في جميع الأوساط، المؤيّدة والمعارضة له، إلا أنّ النجاح في تجاوز الإنزلاق إلى المجهول يتوقّف على كيفيّة إدارة هذه المرحلة.